كتب : خالد صلاح
لإمبراطورية الساسانية ( شاهنشاهی ساسانی) هو الاسمُ الذي استعملَ للإمبراطورية الفارسية التي حكمت بلاد فارس في الفترة (226م – 651م)، ويرجع تسمية الساسانيين إلى الكاهن الزرادشتي ساسان، الذي كان جدا لأول ملوك الساسانيين أردشير الأول.
أُسّستْ السلالة الساسانية مِن قِبل الملك أردشير الأول، بعد هَزيمة ملكِ البارثيين/الفرثيين الإشكانيين الأخير أرتبانوس الرابع، وانتهتْ عندما حاول ملك الدولة الساسانية الأخير يزدجرد الثالث (632 – 651) مقاومة جيوش الخلافة الإسلامية الراشدة المبكرة .
شملت الإمبراطوريةَ الساسانية كلًّا من: إيران اليوم، العراق، وأجزاء من أرمينيا وأفغانستان، والأجزاء الشرقية من تركيا، وأجزاء من باكستان، وقد سمى الساسانيون إمبراطوريتهم (إيران شهر)؛ أي: سيادة الإيرانيين الآريين .
في الواقع يعنينا كعرب دراسة تاريخ الفرس من حيث الجوار الجغرافي والإحتكاك و التشابك بين الأمتين على امتداد التاريخ و لما يجري الآن من محاولات إيران فرض الهيمنة بالقوة على المنطقة العربية وتذكيرنا بماضيها ؛ حتى نستوعب دوافعهم و توجهاتهم و نعرف كيف نواجهها ؛ و قد سيطر الفرس عبر تاريخهم في فترات عديدة على المنطقة العربية و أجزاء من آسيا الصغرى (الأناضول) واحتلوا مصر فترة من الزمن .
كان الفرس يزدرون العرب دائما و ينظرون إلى أنفسهم على أنهم عرق راق وأصحاب حضارة بينما العرب مجرد رعاة حفاة و قطاع طرق .. وعلى النقيض كان العرب ينظرون إلى الفرس نظرة احتقار فقد كانوا رغم بداوتهم و خشونة معيشتهم و قلة موارد بلادهم كانوا مع ذلك يملكون مكارم الأخلاق و يعتزون بأنسابهم الخالصة و ضربوا المثل لكل الأمم في الوفاء بالعهد و صون المحارم و كرم الضيافة والجوار و الذود عن الشرف .
وفي الواقع لم يمنع العرب من إقامة مملكة أو دولة واحدة قوية غير اعتزازهم بأنسابهم و إبائهم الخضوع لسيطرة فرد خاصة أن كل قبيلة كانت تزعم أنها الأقوى و الأكرم ولها النسب الأشرف و ترفض الإنصياع لفرد أو ملك من قبيلة أخرى ليس له نسب في قبيلتهم ..وكانوا يفخرون بعدم طاعة الملوك بل بقتلهم أحيانا كما جرى لكليب بن ربيعة وعمرو ابن هند و حجر بن الحارث والد امرئ القيس ؛ حتى جاء الإسلام فوحدهم في دولة واحدة راشدة فاكتسحوا العالم في سنوات معدودة و أقاموا حضارتهم الكبرى التي مهدت لعصر النهضة وبنيت عليها أسس الحضارة الحديثة .
إن علاقتنا نحن العرب مع (الفرس) لم تكن جيدة منذ الجاهليّة قبل الإسلام ، إذْ أنّ النفسيّة الفارسية ترى في نفسها أشرف الكائنات وبناءً على هذا التفكير ، الاستعلائي فإنّ كسرى قد مات كمَداً وقهراً حين هزمَ العربُ جيّشه في معركة ( ذي قار) التي شنها على قبائل بكر بن وائل لسبب تافه هو أنهم حفظوا أمانة النعمان التي استودعها إياهم قبل أن يذهب للقاء كسرى ويغدر به ويقتله لأنه رفض تزويجه ابنته هند .
وعن هذه المعركة فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال حين بلغه نصرُ العرب فيها على الفرس :”هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم،وبي نصروا ” .
و عداء الفرس للعرب اشتد فيما بعد الإسلام عند الذين تأسلموا منهم عن غير اقتناع تام ؛ إلا أننا لاننكر أن الفرس قدموا لنا العديد من الأئمة الكبار والعلماء و الأساتذة في فترات سيطرة الإسلام السني على بلادهم ممن صلح أسلامهم و اجتهدوا في إيمانهم ولا يخفى علينا أن نفوس العامة وإن دخلوا في الإسلام كانت تحن إلى ماضيهم الفارسي .
كتب ابو قاسم فردوسي الأديب الفارسي الشهير وصاحب مجلد ( الشاهنامه في القرن الرابع الهجري ) الذي يفصح عن عقد العنصرية و الاستعلاء والاستكبار على القوميات غير الفارسية وفي مقدمتها العرب حيث يقول :
” كيف نسمح لهذا العربي آكل الجراد الذي يشرب ويستحم بأبوال الإبل أن يأتي إلى هنا وباسم الفتح يقضي على عرش كسرى ”
اما ( كرماني ) أحد مفكري الفرس المشهورين فيقول: إن الإسلام دين غريب فرضته على الأمة الآرية النبيلة أمة سامية هي حفنة من آكلي السحالي الحفاة العراة البدو الذين يقطنون الصحراء إنهم العرب المتوحشون الذين جلبوا الدمار للحضارة الإيرانية .
اما (صادق زيبا ) الفارسي فانه يظهر حقيقة الحقد على العرب بقوله : (يبدو اننا كفرسٍ إيرانيين لم ننس بعد هزيمتنا التاريخية أمام العرب؟ فما تزال معركة القادسية ماثلة أمام عيوننا على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً عليها إننا نخفي في أعماقنا ضغينة وحقداً دفينين على العرب كأنه نار تحت الرماد تتحول إلى لهيب كلما سنحت الفرصة)؟
ومن المعاصرين الفرس الذين يسخرون من العرب محمد علي جمال زاده كاتب معاصر بقوله: “في الصحراء يأكل العربي الجراد بينما يشرب كلب أصفهان المياه المثلجة ”
وقد وردت عبارات توبيخ وسخرية وكراهية للعرب في الادب الفارسي الحديث مثل وصف العرب بكلمات بذيئة مثل: (موبؤون، قذرون، بشعون أغبياء، و جلودهم سوداء ).
كما تناولت الباحثة الأمريكية جويا بلندل، المتخصصة في الشأن الإيراني، عام 2007 “صورة العرب في الأدب الفارسي”، وقد شملت دراستها كتابات خمسة أدباء إيرانيين، فلاحظت أن كماً كبيراً من التحقير للعرب وللإسلام، ومن وجهة نظر الأدباء الفرس أن الإسلام سيء لأن نبيه عربي، هذه نظرة مثقفيهم وأدبائهم، وعوامهم يتبعون دون أدنى درجات التفكير، بل عليهم باللطم والبكاء والتبعية لما يقال دون أخذ ورد. كما يصف ميرزا حسن الحائري الإحقاقي، في كتابه رسالة الإيمان كبار الصحابة بأنهم: أعراب بدائيون أوباش، وأنهم عباد شهوات عطاشى إلى عفة الفارسيات.
——————
هذه الكراهية الفارسية للعرب موجودة ليس في ادبياتهم فقط بل حتى في المناهج الدراسية وتجدها متجذرة في عمق التاريخ خاصة بعد تحرير ايران من عبودية النار المجوسية.
وكان الإسلام الذي جاء به العرب عاملاً إضافياً لجعلهم يكرهون العرب فبعد أن كانوا يسخرون من العرب أصبحوا جزءاً من الحضارة العربية الإسلامية ، فما انفك المتأسلمين منهم يحلمون بإعادة أمجاد ساسان.
وبتعدد مذاهب الفرس (الزرادشتية والمانوية والمزدكية) التي تسربت أفكارهم تدريجيا للطوائف المذهبية فتعددت آثارهم السيئة على الأمة الإسلامية وسيرتها الحضارية و قد تشبعت السبئية بأفكارهم، وحاولت الخرمية البابكية تجديدها كما ظهرت في آراء كافة الحركات الباطنية.
إن هذه الأحقاد تجاه العرب أولا ثم مسلمي السنة فيمابعد قد تضاعفت إثر هزيمة الفرس في القادسية و سقوط امبراطوريتهم ؛ و قد أثر ذلكفي نفسية و عقيدة الفرس حتى يومنا هذا .
ورغم أن الأقوام التي ألحقت الهزائم بالفرس متعددة و كثيرة كالروم والإغريق والمغول والأتراك، إلا أنهم لا يتذكرون إلا ما حدث من العرب والحقد الفارسي ضد كل ما هو عربي يفسّره فرزاد الفارسي حين قال: «إنكم (العرب) لم تكتفوا بفتح بلادنا والإطاحة بحكمنا بل غرستم فينا دينكم الإسلامي ومازلنا نعاني منه حتى يومنا هذا » !
وعموماً ، فقد عاود نجمُ ( فارسٍ ) في الإضاءة المخفيّة منذ سقوط دولة بني أمية وقيام مُلك بني العبّاس، إذْ أنّ الفُرس كانوا أسرع شعوب الأرض إلى الشغب والمُشاركة فيه ، وكان رجالاتهم – وفي مقدمتهم أبي مسلم الخراساني – أشدّ الناس بأساً في إذابةِ الحكم الأموي وتغيّيبه مع رجالاته ،وغابت بغياب شمس بني أميّة الأسماءُ العربيّة في الحُكم والأحداث ؛ لتُمطرنا بعد ذلك صُحف التاريخ بأسماءٍ وأنسابٍ فارسيّة كان لها أدوار كبيرة وخطيرة في تحولات السياسة ، فمن آل برمك الغامضين إلى بني بويه الوزراء – في سلسلة تتقطع حتى تصل إلى ( ابن العلقمي ) الذي صنعَ سقوط بغداد بكل اقتدارٍ منه ،
والدولة العثمانية بدورها لم تنجُ من المِخلب الفارسي ،إذ كان من أسباب توقف فتوحاتها في أوربا غرباً هم الفرس شرقاً ،فقد كانت الدولة الصفوية في إيران تطعن ظهر الدولة العثمانية كلما اتجهت فتحاً إلى الغرب ، فما كان من السلطان ( سليم الأول ) إلاّ أن يوقف فتوحاته وفتوحات آبائه في أوربا ؛ ليتجه إلى تأديب الدولة الصفوية في العراق . وقد كان النصر حليفه ؛ إذ هزَمَ جُند الصفويين في معركة جالديران ، وأسَر فوق هذا زوجة ملكهم الشاه إسماعيل الصفوي الذي نجا جريحا من أرض المعركة بأعجوبة .
———————————–‐——————————–
أردشير الأول وتأسيس الأسرة الساسانية
الأسرة الساسانية تعزو بداياتها إلى إقليم فارس وإلى جدها الأول ساسان ( Sasan ) ، الذي تذكر أنه كان كاهنا لمعبد النار في مدينة برسبوليس ( Persepolis ) -اصطخر( Istakhr )،
وكانت عاصمة الإقليم الذي كان يحكمه ملوك محليون من الأسرة البارازنجية الفارسية .
وكان ساسان قد عهد بوظيفته تلك إلى ابنه المدعو بابك ، الذي توسط بدوره لدى الملك الفارسي لتعيين ابنه اردشیر( Araxerexes ) قائدا عسكريا في إقليم فارس ،
وقد أفاد بابك من القوة العسكرية التي يتمتع بها ابنه لدرجة أنه هاجم الملك الفارسي البارازانجي وقتله واستولى على حكم إقليم فارس .
وعندما طلب مباركة الملك البارثي أرطبان ( أردوان ) الخامس لملكيته أعلنه عاصيا ومتمردا وسير ضده جيوشه .
وكان بابك قد مات في تلك الآونة ، وقام ابنه اردشیر بادعاء ملكيته ، وهاجم الأقاليم المجاورة ، وأصبحت لديه قوة عسكرية تضارع بل تتفوق على قوة الملك البارثي نفسه .
وفي المعركة التي نشبت بينهما في وادي هرمزدجان انتصر اردشير ، وقتل أرطبان وسار إلى عاصمته المدائن التي دخلها في ۲۸ نیسان ( أبريل ) سنة ۲۲ ق.م ، وأعلن نفسه وريثا للملوك البارثيين ومؤسسا لسلالة حاكمة جديدة هي الأسرة الساسانية .
وتذكر الروايات أن أردشير رغب في إضفاء شرعية على حكمه الجديد فتزوج سيدة من الأسرة الملكية السابقة ، وهي ابنة أرطبان الملك المقتول ، أو ابنة عمه ، أو حفيدته في روايات أخرى .
وما إن تم له ذلك حتى شن سلسلة من الحروب أخضع نتيجتها كلا من إقليني ميدية وأرمينية في الشمال والغرب ، وباکترية وأفغانستان وبلوخستان في الشرق ، وإقليمي بابل ، وما بين النهرين في الجنوب .
وفي سنوات قليلة جمع بیدیه القويتين أجزاء مملكة البارثيين ، وأضاف إليها أقاليم جديدة ، وأنشأ فيها عددا من
المدن الجديدة التي أطلق عليها اسمه تشبها بالإسكندر المقدوني .
ومن أجل استمالة عواطف عامة الناس إلى جانبه، أصدر أوامره لجمع كتاب الأوستا ، وهو الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية التي اعتمدها دینا رسميا لدولته، قائلا : إنه لا خير في دولة لا دين لها ، ولا خير في دين لا دولة له ، تقدر على حمايته ،
وأنشأ المعابد ووسع في أعداد رجال الدين ، وأصبح رئيسهم واحدا من أكبر مسؤولي الدولة يلي الملك في أهميته ، ولهذا أنشا الحلف المتين بين رجال الدين الزرادشتية والأسرة الساسانية الذي لم يهن إلا في فترات قليلة من تاريخ هذه الدولة .
كما استفاد اردشیر من كراهية الشعب لتبذير وإسراف الأسرة البارثية الحاكمة وأزلامهم ، ورتجبرهم واستبدادهم وازدرائهم لرجال الدين ، فتعقب هؤلاء وقتل كثيرا منهم .
ولا يمكن في الواقع حصر إنجازات أردشير على المستوى الداخلي ، فقد كانت كثيرة ، إلا أنه يمكن ذكر أهمها :
أولها : اعتماد المركزية الإدارية الشديدة ، وإحكام الرقابة العامة على أرجاء الدولة
وثانيها : اتخاذ الزرادشتية دينا رسميا للدولة ، ودعم رجال الدين .
وثالثها : جمع أجزاء الكتاب المقدس وهو ( الأوستا ) في كتاب واحد .
ورابعها : تقسيم المواطنين إلى طبقات ، والموظفين إلى مراتب .
—————‐————————————————–
️تاريخ الفرس قبل أردشير
شهد التاريخ الفارسي تعاقب ثلاث دول قبل نشأة الدولة الساسانية هي : الدولة العيلامية و الدولة الكيانية و الدولة البارثية توسطها خضوعهم للبابليين و السلوقيين(يتبعون الإسكندر الأكبر) والرومان .
الدولة الفارسية الأولى : الدولة العيلامية
في العصور الواغلة في القدم كانت أمة من الفرس تعرف ب «الأمة العيلامية، أو «العيلاميين تسكن في الإقليم المعروف الآن ب خوزستان» المسمى قديما ب «بلاد عيلامه، وكان لها
يوم ذاك منزلة رفيعة بين أمم الشرق، وقد سماهم العرب ببني غليمه، وكانت مملكتهم محاطة ببلاد الكلدان وبلاد مادي «ميدية وبلاد فارس، وتحتوي على عدة مدن أشهرها مدينة «شوشن، أو شوشان القديمة عاصمة تلك المملكة، إلا أنها كانت أحيانا تتوسع، وأخرى تتقلص، وآونة تخضع لسيادة جارتها مملكة «أور» التي في جنوبي العراق.
ولمجاورتها لجنوب العراق كانت لها عدة روابط مع هذا القطر، ولكنها لم تكن لتطمع في جارتها القوية، حتى إذا ما ضعفت مملكة «أور» الشهيرة في التاريخ، وآنس العيلاميون في أنفسهم قوة، طمعوا بأرضها الخصبة الكثيرة الخيرات، فحملوا عليها في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وبعد حروب جرت بين الأمتين استولى العيلاميون على مملكة أور»، ودخلوا عاصمتها «أور»، وأسروا ملكها أبي سين «إيبي سپينه بن جمبل سبين آخر ملوك السلالة الثالثة لملوك «أور»، وساقوه أسيرا إلى عاصمتهم شوشن»،
واستولوا على جميع مدن تلك المملكة وقرضوها بعد أن كانت مستقلة في جنوبي العراق أو صقع شمر «سومير»، ولها سطوة كبيرة وسيادة مبسوطة، وكان لعاصمتها مدينة «أور» حينذاك منزلة رفيعة عند العراقيين؛ لعظم مركزها الديني، بل إنها كانت مهدا للدين ومهدا للتجارة ومركزا للصنايع والفنون، وفيها هيكل أنون ماخ، المرصود للإله القمر ورفيقته،الذي خرب في هذه الحادثة.
استولى العيلاميون على جنوبي العراق أو على مملكة «أور الكلدانيين، بعد حروب دامت بينهم وبين الكلدانيين في الوقت الذي كان فيه العراق منقسما إلى قسمين: القسم
الجنوبي المسمى ب «مملكة أور، أو ب «بلاد الكلدان» أو «كلدو»، والقسم الشمالي المعروف ب« مملكة بابل، أو بد بلاد بابل” ، وكان كل قسم مستقل بنفسه، غير أن الجنوبي كان قد
فاق الشمالي بالمدنية والعمران، واشتهر بالتجارة والزراعة والفنون.
وبعد أن تم أمر تلك الأمة الفارسية في الجنوب حاولت الاستيلاء على الشمال، ولكنها عادت بالفشل بعد أن تمكنت بهجماتها من دخول مدينة أوروق والوركاء»، التي هي من
البلاد الشمالية أو من مملكة «بابل» الراضخة لحكم السلالة السامية أو الدولة البابلية الأولى التي أسسها ساموابي سنة ٢٤١٦ق.م – ويروى سنة ۲٤۹۰ ق.م- ونهيت كنوزها وآثارها، من جملتها تمثال الإلهة ونانا، شفيعة مدينة وأوروقه، وأرسلت الجميع إلى شوشنه، وأودعت هذا التمثال في هيكلها.
بقي جنوبي العراق في قبضة تلك الأمة الفارسية حتى قام سادس ملوك الدولة البابلية الأولى أو الدولة السامية الملك ال حمورابي (۲۲۸۷-۲۲۳۲ ق.م)، عليهم بجنوده وطردهم من هذا القطر، ولم يكتف بذلك بل إنه طاردهم حتى عاصمتهم شوشنه، ولم يعد إلى مقره إلا بعد أن أخضع تلك الأمة لسيادته، وأعاد تمثال الإلهة «نانا، إلى هيكل مدينة «أوروق..
ولم تحكم الدولة العيلامية جنوبي العراق غير مدة وجيزة، فطردهم الملك حمورابي عندما قويت شوكته وملك العراق كله، ولم يقف عند ذلك الحد، بل إنه أخضعهم لسيادته
– كما تقدم – وليست هذه المرة الأولى التي خضع فيها العيلاميون لملوك العراق، بل إنهم خضعوا مرارا لسيادة ملوك هذا القطر في أزمان مختلفة من ذلك أن الملك سدرجون
الأكدي السامي الذي ملك سنة ۲۸۷۲ ق.م، كان قد أدخلهم تحت سيادته، وأن الملك أناتوم الذي ملك سنة ۲۹۰۰ ق.م حاربهم وأخضعهم لحكمه.
بين العهدين بعد أن إعتز العراق دهرا طويلا في عهد الدولة البابلية الأولى التي جمعت شمله ووحدت كلمته وأعلت شأنه، انعكس الأمر عند سقوط تلك الدولة واضطريت شئون العراق
وأصبحت البلاد منقسمة على نفسها؛ أي صارت عدة ممالك أو دول صغيرة عديدة كل دولة قائمة بنفسها، وكثيرا ما كانت البلاد تنتقل من سلالة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر، ثم اشتد الخلاف بين أهل البلاد وطمع بهم أعداؤهم، فعاد العيلاميون إلى طمعهم في جارتهم وأعلنوا الحرب عدة مرات على أهل العراق، وشوا الغارة على المدن العراقية في أزمان مختلفة، ونهبوا بعض المدن وقتكوا بأهلها، ومن تلك المدن «نبور» و«أوروق»،
ومن ملوكهم الذين أغاروا على العراق الملك شتروك ناخونتا، فإنه شن الغارة على هذا القطر سنة ۱۱۹۰ ق.م، وغنم غنائم نفيسة من البلاد، من جملتها شريعة حمورابي؛ فإنه نقلها
إلى عاصمته شوشنه، وكثيرا ما كان العيلاميون يتفقون مع بعض تلك الدول الصغيرة ويعضدون ملوكها، خصوصا الممالك التي في جنوب العراق القريبة منهم، .
ولما استحكم الشقاق بين أهل البلاد واختلفت كلمتهم، حمل عليهم الآشوريون وأخضعوهم لسيادتهم، وظلوا تحت سيطرتهم قرونا جرت في خلالها حوادث خط وانقلابات غريبة، حتى قامت الدولة البابلية الثانية التي أسسها نيوبلاصر (٦١١-٥٣٨ ق.م)، فلمت شعث البلاد، وعاد العز والإقبال إليها وعلا شأنها في عهد الملك نبوکد نصر – بختنصر الثاني – غير أن شمس ذلك العز أفلت بظهور کورش الفارسي، الذي أسقط تلك الدولة بعد أن عاشت ۷٣سنة تقر يبا .
الدولة الفارسية الثانية : ️الدولة الكيانية (٥٣٨-۳۳۱ ق.م)
في أواسط القرن السادس قبل الميلاد (سنة ٥٥٢أوسنة ٥٥٠ ق.م)، ظهر أرمرکورش الثاني الملقب بكورش الأكبر ابن قنيوسيا، فنهض بقومه الفرس وأخضع الميديين والعيلاميين
بعد أن دانت له فارس، فتوج ملگا وأصبح إمبراطورا على هذه الأقاليم الثلاثة: «فارس» و«ميدية، و عیلام»، وأسس دولة الكيانين المشهورة،