شهدت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة تطور غير مسبوق فيها يتعلق بالتوجهات والتحولات الاستثمارية والاقتصادية على أعلى مستوى. بلغت التدفقات النقدية للاستثمارات الأجنبية لعام 2024 ما يقرب من 9.5 مليار ريال سعودي بارتفاع يقرب من 6% مقارنةً بالعام الماضي. عزز هذا الأمر وضع المملكة ضمن أفضل الدول التي تجذب الاستثمارات الأجنبية حيث توفر رؤية 2030 خارطة طريق للاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاستثمارية وغيرها. يناقش هذا المقال النمو الفعلي للاستثمارات الأجنبية في المملكة العربية السعودية مسلطاً الضوء على رؤية المملكة في تعزيز الاستثمارات والقطاعات الأكثر جذباً وأيضاً التحديات التي تواجه شركات الاستثمارات الأجنبية في المملكة.
رؤية المملكة 2030 نحو الاستثمار الأجنبي
خاضت المملكة رحلة طويلة من البحث والتطوير والاستعانة بذوي الكفاءات لوضع خطة مُبهرة لتطور المملكة في كافة المجالات. ركزت رؤية 2030 على الاستثمارات الأجنبية باعتبارها أكثر الاستثمارات الفعالة في إنعاش الاقتصاد السعودي وبالتالي الاقتصاد العربي بشكل عام. هدفت رؤية 2030 بشكل كبير على تقليل الاعتماد على النفط ومصادر البترول باعتبارها وسيلة أساسية وعامود لا غِنى عنه في الاقتصاد السعودي وفتح آفاق جديدة للاستثمارات المتنوعة الأخرى. وذلك تطبيقاً لقرارات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد والتي تنص على ضرورة تنويع الاقتصادات الأجنبية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي. بناء على ذلك، عملت الرؤية على السماح للشركات الأجنبية والاستثمارات الأجنبية بأن يكون لها حصص سوقية واستثمارية أعلى من أي وقت مضى بدون الخضوع إلى الكثير من الإجراءات الروتينية أو المركزية قدر الإمكان وبما يتناسب مع طبيعة مجال الاستثمار ذاته. على الصعيد الآخر، بذلت المملكة جهود ضخمة لتطوير البنية التحتية وذلك لتعزيز الخدمات اللوجستية بهدف تسهيل تسديد احتياجات الاستثمارات الأجنبية. كنتيجة لرؤية المملكة 2030، أطلقت المملكة بالفعل العديد من المشروعات المملوكة للاستثمارات الأجنبية وقدمت لها مختلف أنواع الدعم حتى يتسنى لهذه المشروعات بأن تأخذ مكانها في الاقتصاد السعودي.
قطاعات جذب الاستثمار الأجنبي
تُعتبر المملكة العربية السعودية من أهم وأكثر البلاد التي تضم قطاعات مختلفة وجميعها تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية على نحو كبير. من أمثلة هذه القطاعات ما يلي
:
قطاع الترفيه: فتحت المملكة العربية السعودية أبوابها على مصرعيها أمام صناعة الترفيه بشكل عام حيث أن هذا القطاع يُعتبر من أكثر القطاعات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية وللسياحة الأجنبية بشكل عام. تنوعت استثمارات الترفيه ما بين الاستثمارات التي تقام على أرض الواقع وما بين المشروعات الإلكترونية وهذا ما عزز نمو الاستثمار الأجنبي في المملكة السعودية. من أهم المشروعات المدرجة تحت قطاع الترفيه هو مشروع القدية الذي يُعد مركزاً هاماً للترفيه والرياضة والثقافة، حيث يقع المشروع بالقرب من الرياض ويضم ملاعب ومرافق رياضية ومجمعات ترفيه على أعلى مستوى.
قطاع الطاقة المتجددة: يُعتبر قطاع الطاقة المتجددة من القطاعات التي برزت أهميتها على نحو كبير غير مسبوق في الخمس سنوات الماضية وذلك لأن السعودية تعمل على تحويل اقتصادها إلى اقتصاد مستدام. ليس هذا فقط، بل تهدف السعودية إلى أن تكون رائدة في مجال الطاقة المتجددة ما يعزز الاستثمار الأجنبي في هذا المجال. من أهم الاستثمارات الفعلية الأجنبية في هذا القطاع هو مشروع نيوم الذي ينص على بناء مدينة ذكية تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة. تسعى المملكة لأن يكون هذا المشروع هو حجر الأساس لمجال الطاقة المتجددة.
قطاع التكنولوجيا والابتكار: تعمل المملكة العربية السعودية على مواكبة احتياجات العصر الحالي وبالتالي صبت كُل تركيزها ورؤوس أموالها على الاهتمام بقطاع التكنولوجيا والابتكار وتطوير التقنيات وتعزيز الذكاء الاصطناعي على نحو غير مسبوق. قامت السعودية بالكثير من المبادرات في الآونة الأخيرة على رأسهم مدينة الملك عبد الله الاقتصادية التي تُمثل نموذجًا لمدينة ذكية تضم مجالي الصناعة والتجارة بالإضافة إلى التعليم. كما هدفت مبادرة “القدرات السعودية” على تعزيز استقطاب شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة وتوفير بنية تحتية ضخمة لجذب الشركات والاستثمارات الأجنبية.a
تحديات الاستثمار الأجنبي
تعمل المملكة بكل جد على تطوير مصادرها وبنيتها التحتية، ولكن أيضاً تواجه المملكة الكثير من التحديات لاسيما عند محاولة استقطاب استثمارات أجنبية. من أهم التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي هو الاستقرار السياسي حيث تمثل المملكة العربية السعودية منطقة لوجستية هامة في الوطن العربي الذي يعاني في الآونة الأخيرة من بعض التوتر والتذبذب فيها يتعلق بالأوضاع السياسية. إلى الآن، لم تتأثر المملكة العربية السعودية بهذا الأمر، ولكن مازالت الاستقرار السياسي الخاص بالمنطقة العربية عامل هام في مختلف القرارات، لاسيما عندنا يتعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية. على الصعيد الآخر، لازالت المملكة العربية السعودية بحاجة إلى تطوير الإجراءات البيروقراطية والتنظيمية، لاسيما فيما يتعلق بالتراخيص والموافقات الحكومية والعمليات الإدارية بشكل عام. حيث ينظر الاستثمار الأجنبي إلى بطء العمليات الحكومية –على الرغم من تحسنها مقارنةً بالأعوام الماضية- على أنها خسائر وفرص للربح ضائعة. وأخيراً، تُعتبر التحديات البيئية وتطبيق نظم الاستدامة من التحديات القوية التي تواجه الاستثمار الأجنبي في الوقت الراهن وذلك لأنه يلزم لهذا المجال الكثير من المراقبة والتخطيط من مختلف فئات المجتمع والوصول إلى منطقة وسط فيما يتعلق بالتوازن ما بين البيئة والاحتياجات الاستثمارية والاقتصادية لشركات القطاع الأجنبي.